Monday, February 27, 2012

بقلم جدتي


في ذكرى تنحي أديب الشيشكلي عن منصبه كرئيس لدولة سوريا ...لايسعني إلاّ أن أعود بالذاكرة الى أحداث عشتها في فترة من تاريخ سوريا الحديث , وإن كانت غائبه وبعيده عن أذهان المغيبين من هذا الجيل ... والذين لم يعايشوا إلاّ هذه الفترة المظلمة من تاريخ سوريا ...فترة بابا الأسد , كما كان الأطفال يذكرونه , وفترة ابنه بشار الشاب المثقف ... الدكتور , وزوجته أسماء ,السيدة الأولى ..الأنيقة ,المتعلمة.. وردة الصحراء... الحمصية الأصل ,الإنكليزية المنشأ!!! وكأن التاريخ وقف عند هذه الاسرة ,ولمدة أربعين عاماً وكانت بنظرهم سوريا الصمود!!! سوريا الأسد!!؟؟ 

ولكن أذكٌر هؤلاء باّنه يوجد لسوريا تاريخ ,وتواريخ مشرفة أيضاً . فأعود بالذاكرة الى فترة ما بعدحرب فلسطين عام 1948 وماحصل بعدها من أوضاع حرجة .. وخاصة إننا كنا في بداية الطريق بعد إنتهاء الإنتداب الفرنسي ... فكانت الإنقلابات العسكرية الواحدة تلو الأخرى,والتي , ولربما كانت سوريا بحاجة لها لتأسيس الجيش وتقويته , خاصة بعد خلق الكيان الصهيوني الرابض على حدودنا ,وإن فشلت بعض هذه الإنقلابات في تحقيق المراد منها إلى أن جاء أديب الشيشكلي في أواخر عام 1951 والذي كانت تربطه بوالدي أمير الشلاش صداقة قديمة ,وزمالة في الكلية الحربية عندما كانا طالبين فيها , إلى جانب صداقة عائلية بين أسرتينا, إذ إجتمعنا مع بعض في اللاذقية , وبعدها في دمشق , بالإضافة إن والدي كان نائباً له 
.. أثناء توليه الحكم .

وقد كان أديب الشيشكلي معروفاً بوطنيته وإخلاصه لبلده ,ولا عجب ,فإنه من أبناء حماه الصامدة الأبية . ففي عام 1948 وقبل دخول الجيش السوري النظامي لحرب فلسطين , استقال من الجيش والتحق بقوات الإنقاذ التي كان
 يرأسها فوزي القاوقجي آنذاك, وللذكرى أيضاً , فبعد قرار التقسيم , ودخول الجيش النظامي في حربهم ضد إسرائيل إشترك والدي في هذه الحرب بقيادته فوج المشاة الثالث ,وأصيب فيها مع بعض ضباطه وجنوده ...ولزم المستشفى لمدة طويلة نظراً لإصاباته البالغة . وأعود لآديب الشيشكلي هذا الرئيس المخلص ,الوطني والذي كان هدفه النهوض ببلده , وتأسيس ... جيش قوي , وبعدها يسلم السلطة لرئيس مدني منتخب, ولم يكن هدفه ..مركز أو مال أو جاه
  
       و لازلت أذكر كيف كان يعيش مع أسرته في شقة في الدور الأرضي ,في عمارة تطل على السبع بحرات ... لاحرس ولا (كولبة) و لارجال مخابرات في (ملابس مدنية) كما عهدنا بعدها عند أصغر مسؤل!!! ,وكان أساس منزله يتسم ببساطة متناهية , حتى إن أسرّة أولاده الستة كانت من أسرّة الجيش الحديدية والتي كانت تُصرف لعائلات الضباط نظراً لكثرة تنقلاتهم , كما كنا ننتقل واولاده وبقية أولاد الضباط إلى المدارس بشاحنة عسكرية (كميون) وكان هذا تقليد متبع من أيام الجيش الفرنسي , وأذكر بهذه ألمناسبة إن رفيقاتنا في المدرسة كنّ يضحكن من منظرنا ونحن نستقل هذه الشاحنة في 
   المجيْ والذهاب , وقبلها وفي اللاذقية كنا نذهب للمدارس بعربة تجرها البغال مثل عربات الكاوبوي. 


  . وفي أواخر عهده إضطر أديب الشيشكلي إلى الإنتقال لفيلا في أبو رمانة تحت ضغط ونصيحة الأخرين نظراً لكونه رئيساً للبلد . وفي عام 1954 أو 55 لا أذكر بالضبط قام قسم من الجيش في المنطقة الشمالية , أي حلب بإيعاز من بعض الأحزاب ولغرض في نفس الحزب ,برفع راية العصيان ومطالبة أديب بالتنحي والإستقالة , وكان من السهل عليه أن يقضي على هذا الإنقلاب ,إذ إن جميع ألوية الجيش الوسطى , والجنوبية , والألوية المرابطة على الجبهة الجنوبية للحدود تحت إمرته , ولكنه تصرّف بما يمليه عليه حبه لوطنه وخوفه عليه , وحزم أمره , وقال كلماته التي لا تُنسى (أنا لا أسمح مطلقاً أن تنطلق رصاصة واحدة من جندي سوري إلى جندي سوري آخر) , وليس كما يحدث الأن....رصاصة من جندي الى جندي آخر!!! بل قذائف ...وصواريخ ... ودبابات ,ولمن ...لشعب أعزل ..لا يطالب بحكم , وإنما حرية ... وكرامة فقط 



 ولم تمضي إلاّ أياماً معدودة استقال بعدها , وكنّا في وداعه في منزله , وأخذ يوصي والدي بعائلته التي سيتركها تحت رحمة الأقدار ... وهكذا وبكل هدوء ,غادر مع ابنه الأوسط موفق ,إلى بلدٍ أوربي , وبعدها إلى البرازيل ,حيث لحقه هناك جماعة من الموتورين , واغتالوه هو و إبنه موفق        (رحمة اللّه عليهما) انتقاماً منه لأنه أحبط أثناء حكمه موأمرة , كانت تحاك لتمزيق وحدة سوريا ... وهكذا انطوت صفحة من تاريخ سوريا , وإن كانت لفترة زمنية قصيرة ...ولكنها صفحة مشرفة , بكل معاني التضحية ,والوطنية التي جُبل عليها الشعب السوري الأبي ,كما كان ,و كما سيكون ...بإذن اللّه تعالى ... واسمحوا لي ..قراء هذه الكلمة المتواضعة في حق إنسان أكنّ له كل إحترام وتقدير و أن أبعث بتحياتي الى أبنائه أينما كانوا ... وأقول لهم إنّني لم أنساهم مطلقاً, وخاصةً الأيام الجميلة التي قضيناها مع بعض في اللاذقية , في نادي الضباط المطل على البحر , ونحن في ذلك العمر الصغير ,كما اذكرهم , بكميون الجيش, الذي  كان يوصلنا لمدارسنا ,في دمشق , وعربة الكاوبوي  في اللاذقية ... فإلى كل من إحسان .. منور ..نوال ..وفاء و سمير   

 لكم مني كل إعتزاز وسلام












No comments:

Post a Comment